المجلة | حــديث |عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ

/ﻪـ 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ عَدْوَى وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ". فَقَالَ أَعْرَابِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرّمْلِ كَأَنّهَا الظّبَاءُ. فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيها فَيُجْرِبُهَا كُلّهَا؟ قَالَ: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوّلَ؟". متفق عليه.
العدوى معناها: أن المرض يتعدى من صاحبه إلى من يقارنه من الأصحاء فيمرض بذلك ، وكانت العرب تعتقد ذلك في أمراض كثيرة منها الجَرَب ، ولذلك سأل الأعرابي عن الإبل الصحيحة يخالطها البعير الأجرب فتجرب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (فمن أعدى الأول؟!) . ومراده : أن الأول لم يَجْرب بالعدوى بل بقضاء الله وقدره ، فكذلك الثاني وما بعده، كما دل عليه قوله تعالى : {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها}. وقد وردت أحاديث أشكل على كثير من الناس فهمها حتى ظن بعضهم أنها ناسخة لقوله : لا عدوى ، مثل ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يُورِد مُمْرِض على مُصِحّ) . والممرض : صاحب الإبل المريضة ، والمصح : صاحب الإبل الصحيحة .والمراد: النهي عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : (فِرَّ من المجذوم فِرَارك من الأسد) . وقوله صلى الله عليه وسلم في الطاعون : (إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها) . ونهيه صلى الله عليه وسلم عن إيراد الممرض على المصح وأمره بالفرار من المجذوم ونهيه عن الدخول إلى موضع الطاعون إنما هو من باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى وجعلها أسباباً للهلاك أو الأذى، والعبد مأمور باتقاء أسباب البلاء إذا كان في عافية منها فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء ، أو في النار ، أو يدخل تحت الهَدْم ونحوه مما جرت العادة بأنه يهلك أو يؤذي فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم أو القدوم على بلد الطاعون . فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها لا خالق غيره ولا مقدر غيره. أما الطيرة فهي ما يُتشاءم به من الفأل الرديء وهي من أعمال أهل الشرك والكفر، وذلك كالبحث عن أسباب الشر من النظر في النجوم ونحوها من الطيرة المنهي عنها ، والباحثون عن ذلك غالباً لا يشتغلون بما يدفع البلاء من الطاعات بل يأمرون بلزوم المنزل ، وترك الحركة ، وهذا لا يمنع نفوذ القضاء والقدر ، ومنهم من يشتغل بالمعاصي ، وهذا مما يقوي وقوع البلاء ونفوذه ، والذي جاءت به الشريعة هو ترك البحث عن ذلك والإعراض عنه والاشتغال بما يدفع البلاء من الدعاء والذكر والصدقة وتحقيق التوكل على الله عز وجل والإيمان بقضائه وقدره . وفي مراسيل أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس عبد إلا سيدخل قلبه طيرة، فإذا أحس بذلك فليقل : أنا عبد الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لا يأتي بالحسنات إلا الله ، ولا يذهب السيئات إلا الله ، أشهد أن الله على كل شيء قدير ، ثم يمضي لوجهه . وفي صحيح ابن حبان عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا طيرة ، والطيرة على من تطير ، وقال النخعي قال عبد الله بن مسعود : لا تضر الطيرة إلا من تطير. ومعنى هذا أن من تطير تطيراً منهياً عنه وهو أن يعتمد على ما يسمعه أو يراه مما يتطير به حتى يمنعه مما يريد من حاجته فإنه قد يصيبه ما يكرهه ، فأما من توكل على الله ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفاً ورجاءً وقطعه عن الالتفات إلى هذه الأسباب المخوفة وقال ما أمر به من هذه الكلمات ومضى فإنه لا يضره ذلك . وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع نعق الغراب قال : اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك . ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند انعقاد أسباب العذاب السماوية المخوفة كالكسوف ، بأعمال البر من الصلاة والدعاء والصدقة والعتق حتى يكشف ذلك عن الناس . وهذا كله مما يدل على أن الأسباب المكروهة إذا وجدت فإن المشروع الاشتغال بما يوحي به دفع العذاب المخوف منها من أعمال الطاعات والدعاء وتحقيق التوكل على الله والثقة به فإن هذه الأسباب كلها مقتضيات لا موجبات ولها موانع تمنعها، فأعمال البر والتقوى والدعاء والتوكل من أعظم ما يستدفع به. وأما قوله صلى الله عليه وسلم : لا هامة ، فهو: نفي لما كانت الجاهلية تعتقده أن الميت إذا مات صارت روحه أو عظامه هامة: وهو طائر يطير، وهو شبيه باعتقاد أهل التناسخ : أن أرواح الموتى تنتقل إلى أجساد حيوانات من غير بعث ولا نشور ، وكل هذه اعتقادات باطلة جاء الإسلام بإبطالها وتكذيبها . ولكن الذي جاءت بها الشريعة : أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة وترد من أنهار الجنة إلى أن يردها الله إلى أجسادها . وروي أيضاً أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى أجسادها يوم القيامة . وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا صفر) فأقوى الأقوال فيه أن المراد أن أهل الجاهلية كانوا يتشائمون بشهر صفر ويقولون : إنه شهر مشئوم ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وكثير من الجهال يتشاءم بصفر وربما ينهى عن السفر فيه ، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهى عنها ، وكذلك التشاؤم بالأيام كيوم الأربعاء مثلا. والله أعلم.

المزيد